أوروبا وأوكرانيا- بين قروض بريطانيا وانتخابات ألمانيا ومظلة نووية فرنسية
المؤلف: عبدالرحمن الطريري10.06.2025

بعد سلسلة اجتماعات مكثفة تخللتها تحديات جسام، بدءًا من لقاءات الرئيس ترمب مع نظيره الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني، وصولًا إلى اجتماع الرئيس الأوكراني زيلينسكي في المكتب البيضاوي، اتجهت الأنظار صوب القارة الأوروبية، ترقبًا لردود الأفعال المترتبة.
تعيش أوروبا حالة من التجاذب بين مشهدين متباينين؛ يتمثل المشهد الأول في وصول الرئيس زيلينسكي إلى لندن، حيث تم توقيع اتفاقية قرض سخية بأكثر من ملياري دولار، وذلك قبيل انعقاد قمة أوروبية مُصغرة تهدف إلى تقديم الدعم لـ«كييف». أما المشهد الثاني، فيتجلى في برلين، حيث تظهر نتائج الانتخابات الفيدرالية الحاسمة لانتخاب أعضاء البرلمان «البوندستاغ»، وهي الانتخابات الرابعة التي تشهدها البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي دُعي إليها الناخبون في وقت مبكر بشكل استثنائي.
يحرص الأوروبيون، وعلى رأسهم الدول الكُبرى وبريطانيا، على منع تحول أوكرانيا إلى لقمة سائغة، ويتخوفون بشدة من تنامي القدرات العسكرية الروسية خلال العقد القادم، بالتزامن مع غياب المظلة العسكرية الأمريكية. ومع إصرار الدول الأوروبية وأوكرانيا على تحمل تكاليف المظلة الأوروبية البديلة، يجد السياسيون المنتخبون في أوروبا أنفسهم في موقف لا يسمح بتقديم المنح العسكرية المجانية، وهو الأمر الذي كشف عنه الرئيس الأمريكي بصراحة، مما جعل عبارة «القرض البريطاني» تتصدر عناوين الصحف البريطانية.
أما فرنسا، الدولة النووية الوحيدة في أوروبا إلى جانب بريطانيا، فقد أعرب رئيسها، في مقابلة نُشرت يوم السبت الماضي، عن أمله في أن تحقق دول الاتحاد الأوروبي تقدمًا سريعًا نحو «تمويل مشترك ضخم ومكثف» تصل قيمته إلى «مئات المليارات من اليورو»، بهدف بناء دفاع أوروبي مشترك قوي. واقترح ماكرون إجراء حوار استراتيجي مع الدول الأوروبية التي لا تمتلك أسلحة نووية، مؤكدًا أن ذلك «من شأنه أن يجعل فرنسا أقوى»، وبالتالي إعادة إطلاق النقاش الحساس حول المظلة النووية الأوروبية.
وبعيدًا عن المقاربات المتباينة بين لندن وباريس بشأن موقف واشنطن، يكتسب التغيير الذي تشهده برلين بعد نتائج الانتخابات أهمية بالغة على المشهد الأوروبي، لما له من انعكاسات على الوضع في أوكرانيا وما وراءها. وتزداد هذه الأهمية بالنظر إلى الارتفاع غير المسبوق في نسبة المشاركة في الانتخابات، والتي تجاوزت 82%، مقارنة بنحو 76% في الانتخابات الأخيرة التي جرت في عام 2021.
لقد أسفرت الانتخابات، التي أُعلنت نتائجها في نهاية شهر فبراير الماضي، عن مفاجآت لافتة، كان أبرزها تحقيق حزب البديل من أجل ألمانيا المركز الثاني، وتمكن الحزب اليميني من مضاعفة تمثيله في البرلمان من 10% في عام 2021 إلى 20%. الجدير بالذكر أن هذا الحزب لم يمض على تأسيسه سوى 12 عامًا، ويحظى بدعم من إيلون ماسك، كما حث جي دي فانس، نائب الرئيس الأمريكي، على التصويت له، مما يشير إلى وجود حالة من الارتباك في العلاقة مع واشنطن.
في المقابل، شهد التحالف الحاكم تراجعًا ملحوظًا، حيث مني المستشار الحالي أولاف شولتس بتراجع في نتائج حزب الاشتراكيين الديمقراطيين إلى 16%، ليحتل المرتبة الثالثة، مقارنة بأكثر من ربع مقاعد البرلمان في الدورة السابقة. بالإضافة إلى ذلك، تراجع حزب الخضر من 14% إلى ما دون الحد الأدنى اللازم للتمثيل في البرلمان.
أما الحزب الذي تصدر الانتخابات، وإن كان بحاجة إلى تحالف لتشكيل الحكومة في ألمانيا، فهو حزب ميركل السابق، حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي بقيادة فريدريش ميرتس، السياسي المخضرم الذي يبلغ من العمر سبعين عامًا. ومع ذلك، لا يعني ذلك أنه يماثل ميركل في الكثير من الجوانب، بل يُعد المنافس التاريخي لها، وما زالت ميركل تنتقده حتى الآن. ولهذا، طُرح في الصحافة سؤال مشروع حول ما إذا كان ميرتس يمثل نسخة أوروبية من ترمب؟
من بين أولى الإشارات التي أطلقها ميرتس بعد فوزه، كانت دعوة بنيامين نتنياهو لزيارة ألمانيا، على الرغم من توقيع ألمانيا على الالتزام بقرارات المحكمة الجنائية الدولية. وأشار أيضًا، في منتدى الأمن في ميونخ، إلى ضرورة إنهاء الحرب الأوكرانية في أقرب وقت ممكن. ومن جانب آخر، خاطب ميرتس مؤيديه بواقعية ألمانية عريقة قائلًا: «ليس لدي أي أوهام على الإطلاق بشأن ما تقوم به أمريكا... نحن تحت ضغط هائل... أولويتي المطلقة الآن هي حقًا خلق الوحدة في أوروبا».
في نهاية المطاف، تدرك برلين جيدًا أن المقاربة هنا ليست سياسية أو حتى عسكرية، بل هي اقتصادية بحتة. فهي تعي أن بوتين جار صعب، سواء كان صديقًا أو خصمًا، وأن لأمريكا تأثيرًا كبيرًا، خاصة على الصادرات الألمانية، وتحديدًا السيارات. لكن ألمانيا لا تريد أن تكون البديل الذي يدعم اقتصاديًا حينما تغيب واشنطن، وتثقل كاهلها مجددًا كما يفضل الكثير من الأوروبيين، خاصة وأن اقتصادها ليس في أفضل حالاته.
تعيش أوروبا حالة من التجاذب بين مشهدين متباينين؛ يتمثل المشهد الأول في وصول الرئيس زيلينسكي إلى لندن، حيث تم توقيع اتفاقية قرض سخية بأكثر من ملياري دولار، وذلك قبيل انعقاد قمة أوروبية مُصغرة تهدف إلى تقديم الدعم لـ«كييف». أما المشهد الثاني، فيتجلى في برلين، حيث تظهر نتائج الانتخابات الفيدرالية الحاسمة لانتخاب أعضاء البرلمان «البوندستاغ»، وهي الانتخابات الرابعة التي تشهدها البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي دُعي إليها الناخبون في وقت مبكر بشكل استثنائي.
يحرص الأوروبيون، وعلى رأسهم الدول الكُبرى وبريطانيا، على منع تحول أوكرانيا إلى لقمة سائغة، ويتخوفون بشدة من تنامي القدرات العسكرية الروسية خلال العقد القادم، بالتزامن مع غياب المظلة العسكرية الأمريكية. ومع إصرار الدول الأوروبية وأوكرانيا على تحمل تكاليف المظلة الأوروبية البديلة، يجد السياسيون المنتخبون في أوروبا أنفسهم في موقف لا يسمح بتقديم المنح العسكرية المجانية، وهو الأمر الذي كشف عنه الرئيس الأمريكي بصراحة، مما جعل عبارة «القرض البريطاني» تتصدر عناوين الصحف البريطانية.
أما فرنسا، الدولة النووية الوحيدة في أوروبا إلى جانب بريطانيا، فقد أعرب رئيسها، في مقابلة نُشرت يوم السبت الماضي، عن أمله في أن تحقق دول الاتحاد الأوروبي تقدمًا سريعًا نحو «تمويل مشترك ضخم ومكثف» تصل قيمته إلى «مئات المليارات من اليورو»، بهدف بناء دفاع أوروبي مشترك قوي. واقترح ماكرون إجراء حوار استراتيجي مع الدول الأوروبية التي لا تمتلك أسلحة نووية، مؤكدًا أن ذلك «من شأنه أن يجعل فرنسا أقوى»، وبالتالي إعادة إطلاق النقاش الحساس حول المظلة النووية الأوروبية.
وبعيدًا عن المقاربات المتباينة بين لندن وباريس بشأن موقف واشنطن، يكتسب التغيير الذي تشهده برلين بعد نتائج الانتخابات أهمية بالغة على المشهد الأوروبي، لما له من انعكاسات على الوضع في أوكرانيا وما وراءها. وتزداد هذه الأهمية بالنظر إلى الارتفاع غير المسبوق في نسبة المشاركة في الانتخابات، والتي تجاوزت 82%، مقارنة بنحو 76% في الانتخابات الأخيرة التي جرت في عام 2021.
لقد أسفرت الانتخابات، التي أُعلنت نتائجها في نهاية شهر فبراير الماضي، عن مفاجآت لافتة، كان أبرزها تحقيق حزب البديل من أجل ألمانيا المركز الثاني، وتمكن الحزب اليميني من مضاعفة تمثيله في البرلمان من 10% في عام 2021 إلى 20%. الجدير بالذكر أن هذا الحزب لم يمض على تأسيسه سوى 12 عامًا، ويحظى بدعم من إيلون ماسك، كما حث جي دي فانس، نائب الرئيس الأمريكي، على التصويت له، مما يشير إلى وجود حالة من الارتباك في العلاقة مع واشنطن.
في المقابل، شهد التحالف الحاكم تراجعًا ملحوظًا، حيث مني المستشار الحالي أولاف شولتس بتراجع في نتائج حزب الاشتراكيين الديمقراطيين إلى 16%، ليحتل المرتبة الثالثة، مقارنة بأكثر من ربع مقاعد البرلمان في الدورة السابقة. بالإضافة إلى ذلك، تراجع حزب الخضر من 14% إلى ما دون الحد الأدنى اللازم للتمثيل في البرلمان.
أما الحزب الذي تصدر الانتخابات، وإن كان بحاجة إلى تحالف لتشكيل الحكومة في ألمانيا، فهو حزب ميركل السابق، حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي بقيادة فريدريش ميرتس، السياسي المخضرم الذي يبلغ من العمر سبعين عامًا. ومع ذلك، لا يعني ذلك أنه يماثل ميركل في الكثير من الجوانب، بل يُعد المنافس التاريخي لها، وما زالت ميركل تنتقده حتى الآن. ولهذا، طُرح في الصحافة سؤال مشروع حول ما إذا كان ميرتس يمثل نسخة أوروبية من ترمب؟
من بين أولى الإشارات التي أطلقها ميرتس بعد فوزه، كانت دعوة بنيامين نتنياهو لزيارة ألمانيا، على الرغم من توقيع ألمانيا على الالتزام بقرارات المحكمة الجنائية الدولية. وأشار أيضًا، في منتدى الأمن في ميونخ، إلى ضرورة إنهاء الحرب الأوكرانية في أقرب وقت ممكن. ومن جانب آخر، خاطب ميرتس مؤيديه بواقعية ألمانية عريقة قائلًا: «ليس لدي أي أوهام على الإطلاق بشأن ما تقوم به أمريكا... نحن تحت ضغط هائل... أولويتي المطلقة الآن هي حقًا خلق الوحدة في أوروبا».
في نهاية المطاف، تدرك برلين جيدًا أن المقاربة هنا ليست سياسية أو حتى عسكرية، بل هي اقتصادية بحتة. فهي تعي أن بوتين جار صعب، سواء كان صديقًا أو خصمًا، وأن لأمريكا تأثيرًا كبيرًا، خاصة على الصادرات الألمانية، وتحديدًا السيارات. لكن ألمانيا لا تريد أن تكون البديل الذي يدعم اقتصاديًا حينما تغيب واشنطن، وتثقل كاهلها مجددًا كما يفضل الكثير من الأوروبيين، خاصة وأن اقتصادها ليس في أفضل حالاته.